دراسة إستراتیجیة: إسرائیل لم تنجح بتحقیق انتصار واضح على أعدائها منذ 1973

asdasd
معرف الأخبار : ۷۹۲۰۷۶

تدعو دراسة صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب إلى إعادة صياغة أهداف إسرائيل في كل حرب قادمة وتغيير أنظمة دفاعها وهجومها، بعدما بات من غير الممكن تكرار انتصار 1967، وتستخف بالبحث عن “صورة انتصار” كما كان في حرب لبنان الثانية.

وتتساءل الدراسة عن أهداف إسرائيل في الحرب وتقر أن انتصارا موضوعيا على غرار انتصارها في حرب 1967 يبدو غير ممكن. وتقول الدراسة إن “النصر الذاتي” المتمثل في الحصول على “صورة انتصار” هو موضوع مرتبط بالعلاقات العامة وبالدعاية الموجهة للرأي العام، مؤكدة أن مثل هذه الصورة ليست هدفا جديرا في نظام ديموقراطي يدافع عن ذاته.

وتتابع: “أكثر من ذلك، في حرب غير متكافئة كثيرة اللاعبين والتهديدات تكون فيها إسرائيل مستهدفة من كل الجهات بآلاف الصواريخ، فإن السعي لحسم وانتصار عسكريين ينطوي على إستراتيجية خاطئة ومفهوم يعود لعصر الحروب التقليدية في ساحات وغى اعتيادية”.

وتعتبر أن حربا غير متكافئة في أي جبهة لها هدفان فقط لإسرائيل: تقليص فترة الحرب وأضرارها للحد الأدنى، وتأجيل موعد الحرب التالية لسنوات كثيرة. وتضيف: “صياغة أهداف الحرب المذكورة تعني تعريفا جديدا لأهدافها: انتصار الزمن على المكان”. وعلى خلفية تورط إسرائيل في حرب مع غزة طالت 51 يوما قبل خمس سنوات، تدعو الدراسة الإستراتيجية “أن تعد إسرائيل عاجلا الرد الدفاعي والهجومي لتحقيق أهداف حربها مستقبلا”.

وتستذكر الدراسة أقوال المنظر العسكري كارل كلاوزبيتش (1831-1780)، الذي قال إن الحرب ليست سوى استمرارية السياسة بوسائل أخرى. وترى الدراسة أن مقولة كلاوزبيتش تكشف عن ثلاث خلاصات الأولى مفادها أن الحرب وسيلة لا هدفا، والثانية أن الحرب هي استمرار للسياسة وليست تحولا فيها أو شهادة على فشلها، والثالثة أن الحرب “وسيلة أخرى” – ليست وسيلة أخيرة، وهي لا تختلف عن أي مبادرة أخرى، وهي وسيلة شرعية حيادية من الناحية الأخلاقية طالما تخدم هدف السلطة. وتشير الدراسة إلى أنه في فترة كلاوزبيتش، قبل ظهور الديموقراطية الحديثة وفكرة القومية، كان الدافع للحرب جغرافيا أو سياسيا، لا أيديولوجيا.

بين الدفاع والهجوم

وتتابع: “كانت المصلحة الأساسية في الحرب سلطوية: ضم مناطق من أجل زيادة هيبة الملك أو الأمير أو القيصر، ثم إدارة الحروب وقتها بين جيوش نظامية. كانت حروبا احتلالية لا حروبا دفاعية”، موضحة أنه بالمقابل وبعد ظهور الديموقراطية الحديثة وتطوير سلاح الدمار الشامل وتحويل الحرب إلى مواجهة شاملة لم تعد الحرب استمرارا للسياسة أو “وسيلة أخرى”.

وبرأي الدراسة الإسرائيلية فإن الحرب في الأنظمة الديموقراطية الغربية تقف على دعامتين: الأنظمة الديموقراطية تحارب حروبا دفاعية ضد أنظمة استبدادية لا حروبا احتلالية؛ بدليل أنه لم تشن دولة ديموقراطية حربا على دولة ديموقراطية أخرى. أما الدعامة الثانية فهي وسيلة أخيرة للدفاع أمام هجوم عدواني خارجي، ولذا فهي ليست “وسيلة أخرى”. ووفق مزاعم الدراسة فإن الدول الديموقراطية تحارب حروبا حتمية حينما لا يكون خيار آخر.

وتستخلص الدراسة الإسرائيلية أنه بحال “تصادمت قيم الديموقراطية مع قيم الاستبدادية فإن استخدام نظرية كلاوزبيتش وتبنيها في حرب حديثة أمر يلائم نظاما استبداديا فقط، أما الدولة الديموقراطية فتحتاج لمنظرين عسكريين خاصين بها”. وترى الدراسة أن الإستراتيجية العسكرية في إسرائيل حتى حرب 1973 اعتمدت على حرب بين جيوش نظامية وعلى مبدأ “الردع، الإنذار المبكر والحسم”. وتضيف: “مع ذلك ومنذ سنوات الثمانينيات ولاحقا تغير طابع الحرب وانتقلت أنظمة إسرائيل لحرب غير متكافئة مقابل أنظمة “إرهابية”.

بشير الجميل

وعمليا، تم إهمال نظرية “الردع، الإنذار والحسم” لصالح مفهومين؛ الأول إيجابي فعال والثاني غير فعال. وتقول إن المفهوم الفعال الإيجابي المنتمي لرؤية كلاوزبيتش في جوهره ويتطلع لتحقيق هدف سياسي، وليس فقط دفاعا عن وجود وأمن. وتضيف “كانت خطة “أورنيم” الخاصة بلبنان عام 1982 تهدف لتغيير نظام الحكم وفرض حكم الأقلية المارونية برئاسة بشير الجميل على حساب مجتمعات أخرى وجماعات عسكرية متنوعة في لبنان”. وبالنسبة لقطاع غزة تقول الدراسة إن وزير الأمن السابق أفيغدور ليبرمان يرى ضرورة إسقاط حكم حماس واستبداله بنظام ودود مع الاحتلال.

أما المفهوم السلبي المتمثل في المرحلة الراهنة برئيس الحكومة نتنياهو فيقضي باستمرار “الوضع الراهن”، وإعادة الحلة على ما كانت عليها. وتشير الدراسة لبقاء حماس في الحكم بعد ثلاثة حروب، بدءا من “الرصاص المصبوب” في 2008، مرورا بـ”عمود الغمام”، وانتهاء بـ”الجرف الصامد”، وهذه انتهت كافتها باسترجاع “الوضع الراهن” الخاص بالتفاهمات وبهدوء أمني.

وترى الدراسة أن المفهومين المذكورين (الفعال وغير الفعال) قد فشلا، مشيرة للفشل الذريع “الذي منيت به الإستراتيجية الإسرائيلية في لبنان مع اغتيال بشير الجميل وانتكاسة الكتائب”. وفي غزة لا يكفل إسقاط حماس ظهور نظام حكم ودي لإسرائيل، علاوة على انتهاك التفاهمات معها بوساطة مصرية، بشكل منهجي كلما رغبت حماس بذلك.

تحديات بكل الجبهات

وتؤكد الدراسة أنه مع صعود إيران ومجروراتها فإن إسرائيل تمثل أمام تحديات بكل الجبهات: حزب الله في سوريا ولبنان، الجيش السوري الذي يرمم قواه تدريجيا، الميليشيات الشيعية في العراق، حماس والجهاد الإسلامي في غزة، والراعية الأولى إيران. وتعتقد الدراسة أن التهديدات المركّبة تولّد ثلاثة سيناريوهات حربية متداخلة: حرب لبنان الثالثة، حرب الشمال مع حزب الله وسوريا، وحرب شاملة مع إيران ومجروراتها.

وبرأي الدراسة على الجيش الإسرائيلي أن يستعد بكل الجبهات لسيناريوهات مختلفة ومتنوعة، إضافة للدفاع عن الجبهة الداخلية. وتتساءل الدراسة الإسرائيلية بالقول في مثل هذا الواقع المعقد والسائل جدا ما هي أهداف إسرائيل؟ مؤكدة أن نصرا ساحقا على شكل حرب 1967 غير ممكن اليوم. أما “انتصار ذاتي” من خلال كسب “صورة انتصار” فهو موضوع علاقات عامة ودعاية موجهة للرأي العام.

وتضيف: “بكونها هدفا سياسيا وفق رؤية كلاوزبيتش فإن “صورة الانتصار” ليست هدفا حربيا جديرا ولائقا بدولة ديموقراطية تدافع عن ذاتها. أكثر من ذلك، في الحرب غير المتكافئة متعددة المشاركين والتهديدات وعندما تكون إسرائيل معرضة لهجمات بآلاف الصواريخ من عدة جهات ومكشوفة الضربات على منشآت إستراتيجية وعلى مجمعات سكانية ومرافق اقتصادية، فإن السعي لحسم ونصر عسكري ينم عن إستراتيجية خاطئة تنتمي لمفاهيم بائدة من عصر حروب تقليدية في ساحات وغى نظيفة”.

صورة الانتصار

اعتبرت الدراسة أن هناك هدفين لإسرائيل في كل جبهة قتالية هما تقليص مدة القتال والأضرار ومنع استنزاف من قبل عدوها، واستعادة الحياة الاعتيادية للمسار الطبيعي خلال أيام قليلة أو ساعات. ومن أجل هذين الهدفين المترابطين على إسرائيل الاستعداد في مجالين: الدفاع والهجوم. في الدفاع وعلاوة على “القبة الحديدية” ونظام “السهم”، على إسرائيل أن تطور قدرات إسقاط صواريخ بكميات كبيرة وبكلفة معقولة، وهذا عن طريق شق طريق في ابتكار تقنيات جديدة وصنع أسلحة موجهة بأشعة الليزر.

وتتابع: “وفق تصريحات الجنرال يتسحاق بن يسرائيل لصحيفة معاريف في 06.12.2018 فإن إسقاط صواريخ بالليزر يضع سرعة الضوء مقابل سرعة الصاروخ وتكون النتيجة عندئذ “انتصار الزمان على الحيز والمكان في المجال الدفاعي”. وفي المجال الهجومي تدعو الدراسة إسرائيل لتفعيل قوة عسكرية غير مسبوقة، وسط تشديد على عدم المساس بأبرياء، معتبرة أن مثل هذه القوة ستلحق دمارا بالقدرات العسكرية والبنى التحية المدنية المساندة لدى العدو الذي سيحتاج لسنوات لترميمها.

ميزان الجغرافيا والديموغرافيا

وتعتقد أن مثل هذا التدمير الواسع سيخلق تغييرا عميقا في الوعي على غرار ما حصل في حي الضاحية في بيروت خلال 2006، وسيؤجل نشوب حرب تالية لسنوات طويلة، وبذلك تؤمّن انتصارا للزمان على المكان في المجال الهجومي. وتقول إن لهدفي الحرب قاسما مشتركا: محور الزمان ضد محور المكان، وأن لأعداء إسرائيل في المحور المكاني امتياز جغرافي وديموغرافي مطلق: الجانب الإيراني العراقي السوري اللبناني مقابل الحيز الجغرافي الديموغرافي المقلص لإسرائيل.

وتضيف: “بالمقابل لا يوجد امتياز للأعداء في مجال الزمن: أنظمة الدفاع المتطورة لدى إسرائيل تقلص امتيازهم الصاروخي، وقدرتها على التدمير تفوق قدرات أعدائها”. وتؤكد على أن ما ذكر يتطلب إعادة صياغة لهدفي الحرب الإسرائيلية: انتصار الزمان على المكان، وهو ليس انتصارا عسكريا أو مكسبا سياسيا. وتدعو الدراسة إلى “إلقاء الأوهام “الكلاوزببيتشية” حول المكاسب السياسية كهدف للحرب، وكذلك السعي لانتصارات عسكرية مبجلّة في سلة القمامة”.

وتخلص الدراسة للقول إن “انتصار الزمان على المكان” هو هدف حد أدنى للبقاء والدفاع عن الوجود والأمن والسيادة في بيئة عدوانية، وهو معد لاقتناء الهدوء والوقت لسنوات طويلة لإسرائيل، وليس أكثر من ذلك، ولهذه الغاية تم تأسيس جيشها أصلا”. وترى أنه من أجل تحقيق هدفي الحرب “هناك حاجة بنظرية تفعيل الدفاع والهجوم كما ذكر من خلال ابتكار أنظمة دفاع ناجعة متطورة، ومن خلال هجوم بر بحر جو كاسح، وتهديد باستهداف مؤسسات سلطوية لدى العدو الذي يتيح إطلاق صواريخ نحو إسرائيل”.

 

endNewsMessage1
تعليقات