التحالف السعودی یحکم على فقراء الحُدیدة بالإعدام

asdasd
معرف الأخبار : ۶۹۰۱۵۵

يشكل الفقراء النسبة الأكبر بين بقية الطبقات داخل مدينة الحديدة، حيث لا يتعدى دخل الفقير في اليوم (5 دولارات)، وهناك قطاع واسع من المتسولين والغلابى الذين يعانون فاقة شديدة وحاجة دائمة للطعام والضرورات وهم يعدون بمئات الآلاف سيدفعون الكلفة الأكبر لهذه الحرب، وهم الآن بين خيارين مأساويين: إما أن يموتوا داخل بيوتهم الخشبية بزخات الرصاص وهدير القذائف، أو أن يموتوا من الجوع داخلها أيضاً.

دمار وخراب كبيرين تتعرض لهما مدينة الحديدة غربي اليمن -260 كم غرب صنعاء- والتي يطلق عليها اليمنيون "عروس البحر الأحمر"، بفعل القصف الجوي والبحري، الكثيف.

ولأن المواجهات حالياً، تدور في الجزء الحيوي القريب للمدينة، حيث صوامع ومطاحن ومخازن الحبوب المركزية، وحيث مصانع الألبان ومنشآت المؤسسة الاقتصادية العسكرية التي تغذي المطبخ اليمني بالبقوليات: الفول، الفاصوليا، البازاليا، الألبان والعسل والجُبن والسمسم، وأكثر من 19 نوعاً من الذُرة، فإن الأوضاع الإنسانية والمعيشية في البلاد تكون قد دخلت عمليا في المجال الإنساني الأكثر مأساوية: طاعون المجاعة.

وإلى مصانع ومنشآت القطاع الخاص ومزارع الدواجن، التابعة لكبار البيوت التجارية في اليمن: هائل سعيد، اخوان ثابت، ردمان، الغراسي، الحباري، سابحة، وغيرهم، فإن قوات التحالف السعودي الإماراتي إذا ما استكملت الهدف الرئيسي من حربها على الحديدة: تدمير ميناءها، أو السيطرة عليه تكون بلاد "العربية السعيدة" قد دخلت عالم المجاعة الحقيقية، فعلاً.

في الماضي، عم الجوع والوباء أرجاء البلاد، عندما ساق أطراف الصراع حروبهم إلى هذا الميدان وهذه المربعات التي يتقاتلون فيها اليوم.

عصفت باليمن في القرنين الماضيين (العشرين والتاسع عشر) مجاعتين رهيبتين، عقب تدمير ميناء المخاء، الذي كانت اليمن تصدر منه البُن إلى جميع أنحاء العالم. وبسقوط الميناء، يومها وبسبب الدمار الذي ألحقته الحروب بمدن وأسواق تهامة، دخلت اليمن عصر الظلام والبؤس وتأخرت البلاد، على كل المستويات: تعطل انتاج البُن وتوقف تصديره، وتراجعت كمية الحبوب المزروعة، وتلك المعروضة  في الأسواق.

لا تمثل تهامة بسهلها الخصب، سلة زراعية فحسب، ولكن "لو زرعنا تهامة لأكلنا الى يوم القيامة"، وفقا لهذا المثل الشائع بين اليمنيين. وتهامة أيضاً سوق، لتبادل المنتجات المحلية بين السهل والجبال، وهي إلى ذلك، مجتمع رعي، حيث اشتهرت بتربية الأغنام والضان والأبقار والإبل والنحل.
يوجد في تهامة على طول السهل بدء من "رأس العارة جنوبا" وحتى "جيزان" في أقصى الشمال اليمني: عشرون سوقاً مركزياً، هذه الأسواق كانت في الماضي تنشط بالتناوب على عدد أيام الأسبوع، أما اليوم فهي عبارة عن مدن صغيرة متفاوتة الحجم، حركتها التجارية نشطة على مدار 24 ساعة. وفي بيئة زاخرة بالحياة ومنتجة كـ"تهامة" اليمن، فإن تعرضها للدمار والحرب، ستصيب حياة الإنسان اليمني، مرة أخرى، بأضرار عميقة، لن يتجاوزها لعقود طويلة. لقد بدأ ناقوس الخطر الإنساني، يدق بالفعل، خصوصاً بعد تصريحات وزير الدفاع الأميركي، التي أشار فيها إلى أن مشروع تقسيم اليمن، دخل حيز التنفيذ: إقليم للزيود، وأقاليم للشوافع، أو بمعنى أدق: تحويل اليمن إلى "يمنات".

تصريحات وزير الدفاع الأميركي، التي أعقبها تصريح مايك بومبيو وزير خارجية الرئيس دونالد ترامب، الداعية إلى فكرة السلام، تنذر بحرب طويلة، إذ يستحيل فرض سياسة الأمر الواقع لتقسيم بلد خاض أصلاً، عبر تاريخه حروب توحيد الكيان، واستعصى على الأجنبي.
يبلغ عدد سكان مدينة الحديدة الساحلية مليون نسمة، من أصل 2 مليون ونصف سكان المحافظة بالكامل، وتعتبر الحديدة من أكثر مدن اليمن ازدحاماً، حيث الأحياء الفقيرة التي يعيش أهلها داخل بيوت متلاصقة من "الصفيح" و"العشش" المتهالكة المسقوفة بأجنحة النخيل تطوقها ألواح "الزنك" الصدئة. 

ويشكل الفقراء النسبة الأكبر بين بقية الطبقات داخل المدينة. حيث لا يتعدى دخل الفقير في اليوم (5 دولارات)، إذ يعتمد الكثير منهم على أعمال منحفضة العائد، مثل قيادة الموترات (الدرجات النارية) كوسيلة مواصلات رئيسية للتنقل بين أحياء وأسواق وشوارع المدينة، إضافة إلى العمل في باصات النقل الصغيرة، أو عمال في الورش والمصانع وحمالين في الميناء وداخل المخازن التجارية.

وفوق ذلك هناك قطاع واسع من المتسولين والغلابى الذين يعانون فاقة شديدة وحاجة دائمة للطعام والضرورات. وهذه الفئات الأشد فقراً ستكون أول الجائعين، إذ أنها تعتمد في جلب حاجاتها من الطعام والماء على العائد اليومي بالكاد. وبالنظر إلى ذلك، فإن هؤلاء، وهم يعدون بمئات الآلاف سيدفعون الكلفة الأكبر لهذه الحرب، وهم الآن بين خيارين مأساويين: إما أن يموتوا داخل بيوتهم الخشبية بزخات الرصاص وهدير القذائف، أو أن يموتوا من الجوع داخلها أيضاً.

تهاجم القوات الموالية لـلرئيس عبد ربه منصور هادي، المدينة من جهة الجنوب، وحتى الآن لم تحقق هذه القوات المسنودة بغطاء جوي واسع وإسناد بحري متواصل، أي اختراق إلى قلب المدينة، حيث لا يزال القتال في الأطراف الجنوبية الشرقية، والغربية ولكن قذائف المدفعية وإغارات المقاتلات الجوية على أحياء المدينة ومنشآتها الحيوية، لم تتوقف. 

ورغم موجات النزوح الكبيرة، التي شهدتها المدينة في الشهرين الماضيين، وارتفاع أعدادهم في الأيام الأخيرة، إلا أن أحياء مديريتي "الحوك" و "الحالي"، وهما المديريتان الأكثر ازدحاماً بالفقراء ومحدودي الدخل، لم تشهدا نزوحاً كبيراً، وفقاً لمصدر محلي، حيث لايزال الغالبية من سكان هاتين المديريتين قابعين داخل مساكنهم المتواضعة المغروسة في الرمل، والمؤكد أنهم يعيشون وضعاً إنسانياً صعباً.     

 

endNewsMessage1
تعليقات